دار الكتب والوثائق تناقش التجربة النيابية المصرية بعد مائة عام
في إطار الدور التنويري لوزارة الثقافة المصرية، تحت رعاية الأستاذة الدكتورة نيفين الكيلاني، وزيرة الثقافة، أقامت دار الكتب والوثائق القومية، برئاسة الأستاذ الدكتور أسامة طلعت، ندوة بعنوان “التجربة النيابية المصرية بعد مائة عام 1924-2024”.
أقيمت الندوة التي نظمها مركز تاريخ مصر المعاصر اليوم الثلاثاء بحضور الدكتور أشرف قادوس رئيس الإدارة المركزية للمراكز العلمية الذي ألقى كلمة الترحيب بالنيابة عن الأستاذ الدكتور أسامة طلعت رئيس الهيئة.
ترأس الجلسة الأولى الدكتور أحمد زكريا الشِّلق، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، والذي أشار في بداية الندوة أن دستور 1923 كان خطوة هامة في طريق الديمقراطية المصرية وجدير بالذكر أن يحيى باشا إبراهيم قد رسب في انتخابات 1924 رغم أنه كان رئيسا للوزراء في ذلك الوقت، وأكد أن انقسام الحركة الوطنية حول دستور 1923 كان انقساما طبيعيا يحدث في كل دول العالم بين التيار المحافظ والتيار الثوري في الحركة الوطنية، وبعد إجراء انتخابات 1924 تولى سعد زغلول رئاسة الوزارة الشعبية الأولى لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ مصر.
تحدث في الندوة كل من: الدكتور أحمد الشربيني السيد (أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب – جامعة القاهرة) وتناول موضوع “دستور 1923 وإدارة الانتخابات النيابية”، وذكر الشربيني أن حسين رشدي باشا صرح وقتها أن من مهام أعضاء لجنة الدستور وضع قانون للانتخابات بالإضافة إلى القانون الأساسي (الدستور)، وكانت النقاشات بين أعضاء لجنة الدستور تتمحور حول شكل الانتخابات وهل يجب أن تكون مباشرة أم لا وحول إذا ما كان المجتمع المصري وقتئذ مؤهلا لاختيار من يمثلونهم في البرلمان بموضوعية، ومن جانب آخر وجدوا أن الانتخابات على درجتين كانت مسألة مكلفة بشكل كان سيرهق الميزانية المصرية. وانتهى النقاش إلى ضرورة تجديد القوائم الانتخابية باستمرار وتحديث البيانات الخاصة بالنواب بشكل دوري، ويدل ذلك على وعي أعضاء اللجنة الدستورية بأهمية العملية الانتخابية كجزء أصيل من الحفاظ على روح الدستور. وكان موضوع تقسيم الدوائر الانتخابية من المواضيع التي استغرقت وقتا طويلا في المناقشات حيث أن طبيعة الدوائر وتقسيمها الجغرافي كان سيحدث أثرا مباشرا في تكوين البرلمان.
وللأسف تم لاحقا محاولة العبث في الدوائر الانتخابية وأصبحت قوائم الناخبين تعج بأسماء الموتى، وشهدت الانتخابات عددا من وقائع التزوير حتى لا ينجح مرشحي حزب الوفد الذي كان حزب الأغلبية في ذلك الوقت.
وتحدث الدكتور مصطفى الغريب (أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر كلية الآداب – جامعة بنها) مستعرضا موضوع “انتخابات البرلمان في مصر إبان العصر الملكي – رؤية تحليلية”، وتحدث عن مظاهر الحركة الانتخابية ومن بينها إدارة السلطة للانتخابات في هذه الفترة وأغلبها أديرت من قبل حكومات الأقلية، وكان هناك تدخلا سافرا من السلطة تضمن تلاعبا في كشوف الانتخابات وقد ذكر أحد الأجانب المقيمين في مصر في ذلك التوقيت أن أحد العاملين لديه أدلى بصوته في انتخابات عام 1931 أكثر من عشر مرات، كما تم إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية أكثر من مرة بغرض التأثير في الأصوات التي يحصل عليها حزب الوفد. كما كان يتم التضييق على حزب الوفد ومرشحيه بمنع إعطائهم تصاريح لإقامة مؤتمرات انتخابية.
في عام 1925 تقدم حزب الوفد بشكاوى عدة تسجل وقائع مشابهة وأحالت حكومة إسماعيل صدقي في عام 1925، عددا من العمد والمشايخ للمحاكمة بسبب عدم انصياعهم للأوامر بعرقلة مسيرة مرشحي الوفد، وتم الإطاحة ببعضهم من العمودية لاحقا.
وفي عهد حكومة الأحرار الدستوريين برئاسة محمد محمود تم إسقاط النحاس باشا ومكرم عبيد رغم شعبيتهما الطاغية. ولذلك لجأ الوفد لاحقا لمقاطعة الانتخابات التي أجريت أثناء تولي أحمد ماهر لرئاسة الوزراء.
وجدير بالذكر أنه تم رصد بعض الانتهاكات لقانون الانتخابات ولكنها للحق كانت تجاوزات طفيفة لا تصل لما كان يحدث أثناء تولى حكومات الأقلية للسلطة. وكان للصحافة الحرة دورا إيجابيا في كشف وقائع التزوير، ولكن كانت بعض الصحف تنشر وقائع كاذبة ولم تحدث.
وتناول الدكتور محمد محروس عيد (مدرس التاريخ الحديث والمعاصر كلية الآداب – جامعة القاهرة) موضوع “موقف البرلمان من أزمات التموين في مصر إبان الحرب العالمية الثانية”.
وقد تصدى البرلمان للظروف الطاحنة التي عانى منها الاقتصاد المصري تحت تبعية الاحتلال البريطاني أثناء الحرب مما أدى إلى توحش السوق السوداء، وشهدت الأسواق المصرية وقتها نقصا حادا في بعض السلع مثل الزيت والسمن والشاى بالإضافة إلى البيتوكيروسين وغيره، كما واجهت الحكومة المصرية مشكلة في تصدير محصول القطن المصري.
وقام مجلس النواب بدوره على أكمل وجه كما تثبت محاضر الجلسات حيث تصدى البرلمان بقوة لوقائع الفساد، ووقف محمد فكري أباظة مطالبا بافتتاح مكاتب للتموين والسماح لصغار التجار بمشاركة هامش الربح في سبيل مكافحة الاحتكار. وتقدم البرلمان بمشروع قانون يفرض على كل تاجر تتجاوز أرباحه 200 جنيه مصري ضرائب تصاعدية.
وتحدث الدكتور عبد الحميد شلبي (أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر – جامعة الأزهر) ويتحدث عن “برلمان الوحدة المصرية السورية 1960 – 1961”. وأشار إلى أنه كان من المفترض أن تعلن الوحدة في عام 1956 ولكن تأجلت بسبب العدوان الثلاثي حتى أعلنت في عام 1958 باتفاق بين الرئيسين جمال عبد الناصر وشكري القوتلي. وكان دستور الوحدة ينص على ضرورة عمل الدولة الجديدة على تعزيز الوحدة العربية. في 5 مارس 1958 أعلن دستور الوحدة الذي نص الباب الرابع منه على أن يتم تشكيل مجلس الأمة من 600 عضو من مصر وسوريا نصفهم على الأقل من البرلمانين المصري والسوري، ويدعو رئيس الجمهورية البرلمان للانعقاد ومن حقه حل البرلمان أيضا. ولم ينعقد ذلك البرلمان حتى عام 1960 وبالتحديد في 21 يوليو وهو اليوم الذي شهد أول بث للتلفزيون المصري. وشهد ذلك البرلمان أول تمثيل نسائي سوري في تاريخ سوريا بدخول نائبتين في عضويته.
ناقش ذلك البرلمان عدة قضايا من بينها تأجير الأراضي الزراعية وتعثر بعض المستأجرين في سداد الإيجار، واعتبر أعضاء البرلمان أن الصناعة يجب أن تشمل صناعة السياحة وصناعة السينما. ووافق ذلك البرلمان على إنشاء مدينة الثقافة والفنون وتدشين تمويل واعتمادات لتمويل الصناعات. وركز ذلك البرلمان على قضايا التعليم وناقش أزمة ارتفاع سعر الكتاب الجامعي.
وأقر ذلك البرلمان تدريس التربية الدينية، وتأسيس مؤسسة لطباعة الكتاب العربي، وإصدار قانون 103 لسنة 1961 لإدخال المواد الحديثة في التعليم الأزهري.
كما ناقش ذلك البرلمان ضرورة عدم فتح دور السينما في النهار أثناء العام الدراسي للحد من تسرب الطلاب من المدارس إلى دور السينما.
وناقش ذلك البرلمان مسألة اعتراف إيران في عام 1960 بدولة إسرائيل والرد المناسب على ذلك.
وترأس الجلسة الثانية الدكتور السيد فليفل، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، الذي أكد في افتتاحه للجلسة على ضرورة التثقيف السياسي والقانوني للنواب.
وتناولت الدكتورة ماجدة علي صالح (أستاذ العلوم السياسية – جامعة القاهرة) موضوع “المسؤولية السياسية لعضو البرلمان”،
وقالت الدكتورة ماجدة أن الوظيفة السياسية للسلطة التشريعية تضم التشريع، وإقرار الموازنة، والرقابة على السلطة التنفيذية، والصلاحية الانتخابية.
وللنائب حصانة برلمانية تحميه من التعرض للأذى بسبب ممارسة مهام عمله شريطة عدم الإخلال بقواعد وأخلاقيات الممارسة التشريعية.
ويعد السؤال أداة مهمة للاستفسار أما طلبات الإحاطة فقد استحدثت في دستور 2016 لإحاطة المسئول علما ببعض الوقائع. أما البيانات العاجلة فهى موضوعات مستعجلة غير مدرجة في جدول المناقشة. أما الاستجواب فهو من أخطر الأدوات في يد النواب فهى شكل من أشكال الاتهام قد يؤدي في النهاية إلى سحب الثقة من المسئول وشهد عهد الملك فؤاد الأول أول استجواب وكان موجها إلى توفيق نسيم.
وأقر دستور 1971 حق الاقتراح برغبة للنواب مثل إقامة مستشفى أو مشروع مجتمعي، وكانت تلك الأداه ممارسة معروفة في البرلمان تم تقنينها وتأكيدها بموجب ذلك الدستور.
كما تعد لجان تقصي الحقائق من أهم الأدوات التي تمكن البرلمان من الوقوف على الحقائق فيما يتعلق بواقعة ما أو قضية رأى عام.
ويشهد المجلس الحالي أكبر عدد من اللجان الفرعية يصل عددها إلى ٢٥ لجنة، كما يضم عدد كبير من الأعضاء الشباب والنساء والأقباط.
وتحدث الدكتور صالح محمد عمر (باحث بمركز تاريخ مصر المعاصر – دار الكتب والوثائق القومية) حول موضوع “لجنة دستور 1923 ومستقبل الحياة النيابية في مصر”.
وأشار إلى تنوع الخلفيات الاجتماعية والثقافية والدينية لأعضاء اللجنة البرلمانية. واتفقت اللجنة على ألا يقل عمر نائب البرلمان عن 30 عاما. وحددوا أن لكل 75 ألف مواطن نائبا وجاءت تلك النسبة بعد مداولات وكان ذلك حلا وسطا لضمان تمثيل متوازن للمواطنين. وقررت لجنة الدستور النص على ضرورة أن يجيد العضو القراءة والكتابة وأن يكون على قدر مناسب من التعليم يمكنه من مناقشة مشاريع القوانين بكفاءة.
ولا يجوز فصل أى عضو إلا بأغلبية ثلاثة أرباع المجلس التابع له، ولا يجوز الجمع بين عضوية أى من المجلسين التشريعيين وبين أى وظيفة حكومية لما تقتضيه الوظيفة من طاعة الرؤساء وهو ما يتعارض مع حرية ممارسة المهام البرلمانية. والإضافة إلى ما سبق اهتم أعضاء اللجنة الدستورية بوضع ضوابط قانونية وسياسية للممارسة البرلمانية.
وتحدث الدكتور شريف إمام (أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر كلية الآداب – جامعة عين شمس) عن موضوع “الحياة النيابية في ظل التعددية الحزبية المقيدة 1976 – 1979” وأشار إلى انتهاء تلك الفترة بحل البرلمان في 1979. كان الرئيس السادات حريصا على إيجاد شكل من التعددية السياسية المحسوبة التي بدأت بخلق المنابر والإبقاء على الحزب السياسي المسيطر مع وجود أجنحة سياسية على الهامش.
وحدث ذلك في ظل العودة التدريجية للبرجوازية القديمة بعد 1971 مع صعود البرجوازية الجديدة والإبقاء على معظم مكتسباتها. وكانت ظاهرة الأعضاء المستقلين مسيطرة على تلك التجربة. وغابت عن الدعاية الانتخابية الشعارات الكبيرة حيث تصدرت مشاكل الحياة اليومية برامج المرشحين. وجدير بالذكر أن 60% من أعضاء هذا المجلس تم الطعن في عضويتهم.
وتناول د. محمد جابر زهيري (مدرس التاريخ الحديث والمعاصر كلية الآداب – جامعة عين شمس) أهم القضايا التي ناقشها البرلمان المصري 1979 – 1984. وشملت تلك القضايا معاهدة السلام وأحداث الفتنة الطائفية وغيرها.
وقد أعلن السادات مبادرته للسلام تحت قبة مجلس الشعب وكانت مفاجأة للأعضاء جميعا.
وفي 5 إبريل 1979 فتح البرلمان الباب لمناقشة تلك المبادرة وشروطها مع التأكيد على ضرورة عودة جميع الأراضي المحتلة في 1967، وفي 9 إبريل أعلنت اللجنة البرلمانية الموافقة على المعاهدة والتي أقرها البرلمان في 10 إبريل مع اعتراض النائب الوفدي ممتاز نصار على تلك المعاهدة التي رأى فيها ظلما لمصر خاصة أن المعاهدة ألزمت مصر وإسرائيل بتطبيع العلاقات الثنائية.